خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب الشيخ عبدالله بن محمد النعمة 30 شعبان 1438هـ الموافق 26 مايو 2017م بعنوان "فضائل رمضان وخطورة الكذب"

  30-05-2017
اضغط على الصورة لعرضها بالحجم الطبيعي

 الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا".

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما". 

أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون .. ساعات ويحل بساحة المسلمين ضيف كريم، وموسم عظيم ووافد هو غرةٌ في جبين الأمة، وشامة في صفحات الذكريات والبطولات، ما برحت نفوس المسلمين تشرئب لإطلالته السنوية، التي تشد النفوس إلى الدين والتدين، وتذكرها بحق الله تعالى عليها .

إنه شهر مبارك وموسم معظم، جعله الله سبحانه وتعالى ميداناً يتنافس فيه المتنافسون، ومضمارا يتسابق فيه الصالحون، ومجالا لتهذيب النفوس وتزكية القلوب ورفعة الدرجات، ذلكم يا عباد الله هو شهر رمضان المبارك، وها هو هلال رمضان يلوح في الأفق إيذانا بشهر الخيرات، يهل بعد مسير الناس أشهرا في مسالك الحياة ينالون منها وتنال منهم، ما أسرع ما عادت الأيام يشب الطفل ويشيخ الشاب ويهرم الشيخ، وينظر المرء إلى عمره فلا يجد إلا ماضيا لن يعود، ومستقبلا لا يدري ما الله فاعل فيه.

جاء شهر رمضان شهر الصيام والقيام والإحسان وتلاوة القرآن والعتق والغفران، روى النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ".

عباد الله ... لقد خص الله رمضان بخصائص عظيمة وفضائل كثيرة فهو شهر الصيام والقيام وتنزل القران، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والملائكة تستغفر للصائمين فيه حتى يفطروا، يزين الله تعالى كل يوم جنته، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك.

عباد الله .. ‏إن فضل الصيام عظيم في غير رمضان، فكيف به في رمضان شهر الصيام والقرآن، يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا"، ‏ففي الصيام تكفير للذنوب والخطايا، وحصول السعادة في الدنيا والآخرة، و تحقيق التقوى والعبودية لله تعالى في أسمى صورها، وقهر للنفوس عن شهواتها، وتربيتها على حسن الاستجابة والامتثال لأوامر الله وتعويد للأجسام على الصبر ‏والمصابرة، فيه تهذيب للنفوس وتربية للعقول على البعد أبدا عما حرم الله تعالى، روى الترمذي وأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له".

‏عباد الله .. شهر رمضان فيه مواساة للفقراء والمساكين وفطرة للمساكين، فإن الجمع بين الصيام والصدقة والإحسان من موجبات الجنة، فقد صح عند أحمد والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها ، فقالوا لمن يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: لمن أطاب الكلام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، وداوم على الصيام، وصلى بالليل والناس نيام".

‏ورمضان هو شهر القرآن، نزل فيه على المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان يتفرغ فيه لمدارسة جبريل -عليه السلام- وقد كان سلف هذه الأمة - رحمهم الله- يعكفون في شهر رمضان على تلاوة القرآن وتدبر معانيه، والعيش في رياضه، والعمل بما فيه، حتى قال الإمام الزهري رحمه الله: إذا دخل ‏رمضان فإنما هو قراءة القرآن، فينبغي أن تكون عناية المسلم بالقرآن في رمضان مضاعفة؛ قراءة وحفظا واستماعا، وتدبرا وفهما، مصحوبة بالخشوع وتحريك القلوب، والوقوف عند عجائبه ومعانيه

عباد الله.. اغتنموا هذه الفرصة، وتعرضوا لنفحات المغفرة والرضوان فيه، وتذكروا رحمكم الله من صام معكم رمضان المنصرم من الإخوة والأخوات والأهل والأقارب والجيران والأحباب، أين صاروا عند دخول هذا الشهر؟، أفناهم الموت، واستبقاك الله بعدهم.

عباد الله، أكرموا هذا الوافد الكريم، وجاهدوا أنفسكم بطاعة الله تعالى، وجددوا العهد مع ربكم، وشدوا العزم على الاستقامة والتوبة الصادقة، والرجوع إلى الله، واحذروا من أن تنصرم أيام وليالي رمضان في غفلة ولهو، فكم أدركنا من رمضان، ثم ودعناه كما استقبلناه والحال في الحال، والله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد، فاتقوا الله أيها الناس حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واحذروا المعاصي فإن أجسادكم على النار لا تقوى.

 

عباد الله .. إن إدراك رمضان نعمة عظمى ومنّةٌ من الله كبرى يقدرّها حق قدرها الصالحون المشمرون الراغبون فيما عند الله تعالى، وإن الواجب على من وفقه الله لبلوغ رمضان أن يستشعر هذه النعمة ويغتنم هذه الفرصة العظيمة للتجارة الرابحة مع الله سبحانه قبل أن تنقضي أيامه وتنصرم لياليه فتكون الحسرة وتعظم الخسارة.

إن شهر رمضان شهر الحب والوئام والرحمة والغفران والطاعة والإحسان فكونوا فيه من أسرع الناس إلى الخير وأقربهم إلى الطاعة، ومن أوسع الناس صدوراً وأرحمهم قلوباً وألينهم نفوساً وأنداهم ألسناً وأبعدهم عن المخاصمة والمشاتمة والسباب، اغفروا الزلة وأحسنوا الكلمة والعشرة واكظموا الغيظ وتجاوزوا عن المخطئين، فتلك من أسمى معاني الصّيام التي يجب أن يتربى الناس عليها.

ثم اعلموا رحمكم الله أن من أهم مقاصد الصيام هو حفظ اللسان من الزلة والخطأ والفحش في الكلام، راقبوا كلماتكم وحاسبوا على أفعالكم، فالأمة في عصرٍ فتح عليها مفاتيح من الخير والشّر فكونوا مفاتيح للخير ولا تكونوا مفاتيح للشر، روى ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناسِ ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويلٌ لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه"،  ‏فويل ثم ويل، لمن أشعل فتيل الشر بين المسلمين، بكلمة أو فعل أو تصريح أو إشاعة.

عباد الله.. إنه مرض نقل الأخبار والإشاعات بلا تثبت ولا تبين، إنه لوثة نشر ‏الأكاذيب الملفقة، بلا تحر ولا ترو، مما انتشر في هذه الأيام بصورة ملفتة، وبخاصة في وسائل الإعلام من فضائيات وصحف، تدعي بهتانا وزورا الحياد في نقل أخبارها، ‏وما انتشر بين أفراد المجتمع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وما به من كذب وبهتان.

عباد الله .. إنها الحرب المعنوية والأوبئة النفسية، التي تخلخل الأمن وتفرق المجتمعات وتؤثر على الأفراد ‏والجماعات بل وعلى الدول والأم،  تستهدف عمق الإنسان وإعطائه وتقدح في قيمته وفكرة، يحمل عليها حب إيذاء الآخرين، وبث روح الحسد، والوقوع في أعراضهم، والتشكيك في نياتهم ومقاصدهم، وتشويه سمعتهم، ‏وإن تعجب فعجب من أشخاص يعلمون الكذب والتلفيق والبهتان، ويصرون على نقله ونشره، أما وقف هؤلاء على قوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، ‏إنه المنهج الإسلامي في تلقي الأخبار ونقلها، منهج واضح عظيم، وأدب قراني فريد، يوزن بميزان دقيق، ويقوم على التحقيق والتمحيص والتثبت والاعتدال، ‏جاء في صحيح مسلم عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع".

عباد الله .. ألا فاحفظوا ألسنتكم وراقبوا أعمالكم، فأنتم مقدمون على شهر مبارك عظيم، من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

 


 
 
طباعة