|
17-06-2013 |
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الأحِبّة في الله، وارتفعت الأصوات وبدأ الحديث صاخباً، حينما اجتمعت زعامات قريش ليتناولوا شأن هذا النبي الذي خرج فيهم فقالوا: انظروا أعلمكم بالشعر والسحر والكهانة، فليأت هذا الرجل الذي عاب ديننا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا لينظر في حاله، من ينتقون ومن يختارون ليمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحاوره ويناظره ويساومه ويفاوضه، من يختارون؟ فإذا بهم يقلبون رجالات قريش من يستحق أن يقوم بهذه المهمة؟ فقالوا: ليس لها إلا ذاك الرجل، فاختاروا عتبة بن ربيعة، اختاروا أبا الوليد اختاروا من كان يلقب بحكيم قريش، فمضى إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعدما جمع مقالتهم إلى مقالته رتب أفكاره ونسقها ليدخل مع النبي عليه الصلاة والسلام في حوارات لعله يظفر منه بشيء، دخل عتبة بن ربيعة يعلوه الغرور والثقة بالنفس والقدرة على التأثير، دخل على النبي عليه الصلاة والسلام ليمارس أنواعاً متعددة من فنون الحوارات، يتقلب في الأسانيد في محاولات محمومة أن يُبعد النبي صلى عليه وسلم عن الإسلام وعن الدعوة، دخل ثم قال مبادراً بهذه التساؤلات يا محمد: أنت خير أم هاشم؟ يا محمد: أنت خير أم عبد المطلب؟ يا محمد: أنت خير أم عبدالله؟ دهاء أن يصادم النبي صلى الله عليه وسلم بآبائه وأجداده، والنفوس الكريمة تأبى أن تتحدث عن فضلها عند حضور آبائها وأجدادها .. ثم قال عتبة إن كانوا خيراً منك فقد عبدوا الذي عبدنا، وإن كنت خيراً منهم فقل نسمع لقولك، يا محمد: ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، وانظروا إلى هذا التفنن في الأساليب بدأ بأسئلة ليصادمه بمن يصادم، ثم أعطاه تلك العبارة التي تنم على أنه أتى ليفرق جماعتهم ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا حتى رمتنا العرب عن قوس واحدة، وما ننتظر إلا مثل صيحة العُبلى يأخذ بعضنا برقاب بعض.
ثم بدأ عتبة بن ربيعة ليقدم عروضه التي تسيل منها اللعاب، يا محمد: إن كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً.. وإن كنت تريد ملكاً ملكناك .. وإن كنت تريد عزاً سوَّدناك، وإن كانت بك الباءة زوجناك عشر نسوة.
يا محمد: قل نسمع لقولك، النبي عليه الصلاة والسلام بكل أدب ورفيع خلق كان يصغي لحديث عتبة، حتى قال له: أفرغت يا أبا الوليد؟ أفرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم قال اسمع، النبي عليه الصلاة والسلام كان يعي جيداً أن هؤلاء القوم وقفوا عاجزين أمام القرآن، والقرآن قد تحداهم أن يأتوا بمثله بعشر سور بسورة بآية، والعرب في جاهليتهم ما كانوا يملكون حضارة كما تروا في واقع حضارة فارس والروم، حضارتهم في لغتهم، وكان الشعر يحضر دائما وأبداً، بيت شعر يرفع قبيلة ويخفض أخرى، فرأينا النبي صلى الله عليه وسلم تخلى عن كلام البشر، ليقرأ بين يديه آيات، أفرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال اسمع، وشرع النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ بآيات من سورة فصلت، "حم، تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ"، ومضى يتلوا الآيات حتى وصل إلى قوله جل وعز: :فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود"َ، سورة فُصِّلت الآيات من 1-4، عُتبة كان قد وضع يديه خلف ظهره يستمع لهذه الآيات فوقف مبهوراً وهو يسمع هذا السياق المعجز فلما وصل النبي إلى هذه الآية فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود، نهض من مكانه ووضع يديه على فم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له أنشدك الله والرحم، أنشدك الله والرحم، اسكت اسكت لا تكمل الآيات، كان يعي جيداً طبيعة هذا الإنذار كان يعلم بأن النبي عليه الصلاة والسلام صادق أمين، وحينما أطلق هذه العبارات التحذيرية فإن أعرضوا كان يعي جيدا أنها ستتحقق على الأرض لا محالة إن هم رفضوا هذه الدعوة، أنشدك الله والرحم أنشدك الله والرحم.. ثم نفض يديه وغادر وعاد إلى أصحابه.
لما عاد، نظر إليه زعامات قريش وهم يقولون: والله لقد جاءكم أبو الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به، فقال أحدهم ما وراءك يا أبا الوليد؟ ما وراءك؟
قال ورائي أني سمعت قولاً، والله ما هو بشعر ولا بسحر ولا كهانة.. يا معشر قريش يا معشر قريش، خلوا بين الرجل وما جاء به واجعلوها بي.. والله ليكونن لقوله نبأٌ عظيم، فإن أصابته العرب عن قوس واحدة فقد كفيتم، لو قام العرب بقتله فقد كفيتم ولم تتلوثوا بدمه، وإن تفوق عليهم فإن عزه عزكم، ومجده مجدكم، كلامٌ في معايير تلك الأوقات هو كلام العاقل.
قال لا تقتلوه.. إن اجتمعت عليه القبائل ونالوه بسوء فلا علاقة لكم بدمه، وانتهى دوره بينكم، أما لو تمكّن فإن رِفْعَتُه ستنعكس على قريش رفعةً ومكانةً. فقالوا له: والله لقد سحرك محمد.. قال: هذا رأيي وافعلوا ما بدا لكم.
نعم أيها الأحبة، كانوا هؤلاء القوم يتعاملون مع النبي عليه الصلاة والسلام، على أنه باحث عن الدنيا، مفتش عن ملذاتها، هكذا ظنوا، ولذا قدَّموا تلك العروض التي يرفع رأسه عادة عشاق الدنيا فرحاً وطرباً بها.
تريد ملكاً؟ تريد عزاً؟ تريد مالاً؟ تريد نساءً؟ نوفر لك ذلك، وأبو الوليد عتبة كان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وافق على عرض واحد منها لانتهى، لأنه سيعلن عندها أنه من طلاب الدنيا، وأنه باحث عنها، هكذا رأينا أيها الأحبة، ذاك الوضوح في الارتباط بهذا الدين، هذه العزة، عدم المساومة، عدم قبول أنصاف الحلول، والصحابة رضوان الله عليهم يرون كل ذلك، يشاهدون نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو يركل الدنيا برجله، وهو يرفض أن ينصاع لهم، والعرض مِن مَن؟! من زعامات قريش الذين كانوا يمتلكون القدرات المادية! أن يوفروا للنبي صلى الله عليه وسلم ما يشاء وما يريد.
وتتسرب هذه المعاني الرائعة في نفوس الصحابة رضي الله عنهم ويرفعون بالإسلام رأساً، ويفاخرون بهذا الدين الذي ينتسبون له، فضربوا أروع الأمثلة في ارتباطهم بدينهم والاعتزاز بشريعة ربهم.
رأينا هذا في صورة صحابي، نقولها بين قوسين أنه شخصية مغمورة، شخصية ما كانت معروفة لدى الكثير، إذا ما ذُكر الصحابة ذكرت أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة، ذكرت أبا هريرة وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس، لكن أين أنت من عبدالله بن حذافة رضي الله عنه؟!
الروم والفرس أيها الأحبة، وقفوا متعجبين مستغربين من فاتحين قد أتوا لبلادهم، ما تميزوا بكثرة عدد، وما عُرفوا بعتاد، ثم يُفاجَئون أن مدنهم تسقط تباعاً على أيدي هؤلاء، فارس والروم اللتان كانتا تنظران إلى العرب نظرة احتقار وازدراء ويرون أن العرب أمة لا تستحق أن تعيش.
ها هم يُفاجَئون بهم، حتى وصل الأمر بقيصر الروم أن قال لقادة جنده ائتوني بمسلم، لأنظر إلى حاله وأفتش في أوضاعه، وأعلم وأعرف ما الذي جعلهم بهذه الصورة من الاعتزاز بمبادئهم، كان من ضمن الذين وقعوا في الأسر في مواجهة مع الروم عبدالله بن حذافة رضي الله عنه.
قائد الجند أتى به مصفداً بالأغلال يجر السلاسل فوُضع بين يدي قيصر ليتحدث معه، جلس قيصر بصولجانه وعلى كرسيه يتحدث مع هذا العربي هذا المسلم الذي جاء بثيابه الرثة، والذي لو رآه في الطريق ما رفع بصره لينظر إليه، تحدث معه قيصر حديثاً سريعاً فإذا به يعجب بذكائه وحصافته ونباهته، فقال قيصر: تنصر.. تنصر وأطلق سراحك! من مِنّا لا يعشق الحرية؟ من مِنّا لا يَود أن يذهب إلى بيته معززاً مكرماً، لكن الثمن كان باهظاً! تنصّر وأطلق سراحك قال: لا لن أتنصّر! قال: تنصّر.. وأعطيك نصف ملكي! وحينما يتحدث قيصر عن نصف ملكه تأتيك تلك الخارطة أمام عينيك، الروم التي كانت تمتلك أوروبا الشرقية تركيا بلاد الشام مصر كانوا يمتلكون نصف الأرض، فقال عبدالله بن حذافة: لن أتنصّر، قال: تنصّر، قال تنصّر وأعطيك نصف ملكي وتشاركني الملك وأزوجك ابنتي! قال: والله لو أعطيتني ملكك وملك العرب والعجم ما تركت ديني!
قيصر بالعقلية المادية يتحدث، قيصر يقدم بين يدي هذا الأسير الذي هو بحاجة إلى أي شيء ينقذه من وضعه، يقدم له ما ترى أن كبار الناس يذعنون له دون تردد، فلما وجد أن تلك الإغراءات لا تجدي نفعاً قال له: إذن أقتلك، قال: عبد الله ابن حذافة افعل ما بدا لك.
وعندها قال قيصر لقائد جنده: ائتني بأمهر الناس رمياً للسهام، أريد منكم أن تصلبوه ثم ترموه بالسهام دون أن تصل إلى جسده، اجعلوا السهام بجوار رقبته ورأسه وبطنه لعله يخاف، فالخوف أحياناً يجعلك تُذعن، ويجعلك أحياناً تموت ألف مرة قبل أن تقدم على الموت، وصلبوه ثم جاء الرماة يرمون بسهامهم، فإذا بالسهام تقترب من رقبته من رأسه من أعضاء جسده، وقيصر يقول له: تنصّر.. تنصّر.. والرجل يأبي ويرفض، ثم قال: أنزلوه وأدخلوه السجن وجوعوه، فادخلوه السجن ومنعوا عنه الطعام والشراب حتى كاد يهلك، فلما رأوا أنه في الرمق الأخير، تنصّر تنصّر .. فأبى، ثم قدموا له لحم خنزير وكأس خمر، فالتفت وقال والله إني أعلم أنه يجوز لي أن آكل من هذا اللحم، وأشرب من هذا الخمر، طالما أنني في حالة الضرورة، لكني أعلم جيداً أن القوم ما فعلو ما فعلوه إلا ليتشمتوا بي، فلن آكل ولن أشرب، ورفض أن ينصاع، ووصل الخبر إلى قيصر، قال أطعموه ودعوه يشرب وأحسنوا وفادته في داخل السجن، فلما أكل وشرب، فإذا بتخطيط جديد ومؤامرة جديدة على عبد الله ابن حذافة.
ماذا أيضاً، اختاروا له أجمل نساء الروم، اختاروا له غيداء حسناء كان الرومان شباب الروم تهفو قلوبهم للحديث معها، اختاروا له أجمل الجميلات، فدخلت عليه السجن تراوده عن نفسه، فما رفع رأسه وما نظر إليها، كانت تتغنج بين يديه تتمايل، فإذا به لم يلتفت إليها، فخرجت مُوَلْوِلة صارخة، شعرت بالإهانة وهي تقول أدخلتموني على من؟! أدخلتموني على من؟! أهو بشر أم حجر؟! أهو بشر أم حجر؟! لا يمتلك مشاعر؟ لا تتغلغل في داخله الغرائز؟ والله لا يعلم هل أنا أنثى أم ذكر!
ويصل الخبر إلى قيصر لا التهديد أجدى، لا الإغراءات أصابته بمقتل، لا المال يبحث عنه، فرأوا أنه لا مناص أن يُقتل أو يُعدم، اقتلوه لكنه الانتقام للنفس، لابد أن يكون القتل بصورة مخيفة مرعبة، لينتقم من كرامته المهدرة قيصر، وليقدم رسالة للآخرين أن مصيركم كمصير هذا الشاب فأمر بِقِدرٍ قد وُضع فيه الزيت المغلي، ثم يغمس فيه عبدالله بن حذافة، لكن قيصر أراد أن يموت عبد الله بن حذافة قبل أن يُلقى في الزيت، فماذا فعل؟ أمر قيصر بعدما أصبح الزيت في داخل الزيت مغلياً، تتطاير منه ذاك البخار الحار، أمر بأسيرين من أسرى المسلمين فجيء بهم عبدالله بن حذافة يشاهد، فيأمر قيصر أن يُرمى أحد الأسرى في داخل القدر، القلوب المؤمنة تتألم لإخوانها أكثر من نفسها، فإذا بهذا الأسير يُرمى في داخل القِدر لحظات ثواني، فإذا برائحة الشواء تنبعث في أرجاء المكان وإذا بالعظام تطفو على السطح، وعبد الله بن حذافة يرى كل ذلك، تنصّر ..تنصر فإن مصيرك كمصير هذا وأنت تشاهد كل ذلك، فقال عبدالله بن حذافة: لن أتنصر، قال ألقوه، وانظر إلى تلك الصورة المؤلمة التي مارسوها معه وهم يسعون لإلقائه في داخل الإناء، طلب قيصر أن ينزل بصورة متدرجة تنصهر قدماه ثم ساقاه ثم الفخذ، هذا من أصعب أنواع الموت أيها الأحبة، أن ترى أجزاء الجسد تموت تباعاً، فرفعوه ثم بدؤوا بإنزاله، فلما اقترب من سطح هذا الزيت المغلي، فإذا بدمعات تخرج من عينيه تصافح خده، والقوم يشاهدون، يشاهدون، فمضى الجند إلى قيصر يا قيصر: إنه يبكي! فقال أعيدوه أعيدوه إنه الخوف لا محالة، فجيء به فقال له قيصر: تنصّر فقال لا لن أتنصر، ما يبكيك ما يبكيك إذن.! قال إني تمنيت أن تكون لي مائة نفس فتقتل في سبيل الله كهذه القتلة، قال: أنا سأموت لأنني لا أمتلك إلا هذه النفس، لكن تمنيت لو عندي مائة نفس تستشهد في سبيل الله، ماذا يسمع قيصر؟ ما هذه اللغة التي لا يفهمها هؤلاء؟
سأحمل روحي على راحتي
وأُلقي بها في مهاوي الرّدى
فإما حياةٌ تسرُ الصديق
وإما ممات يُغيظ العِدا
ماذا يسمع؟ يسمع لغة جديدة، يشاهد عقلية جديدة، فقال واسمع ماذا قال، قال: قبِّل رأسي وأطلق سراحك! وصل إلى هذا المستوى قدم التنازلات العظيمة، قال أريد فقط أن تقبل رأسي وأطلق سراحك، قلّب عبد الله بن حذافة هذا العرض جيداً ثم قال وقد رأى المصلحة الراجحة، قال: وأسرى المسلمين، أُقَبِّل رأسك لكن بشرط أن تطلق سراح المسلمين الذين في سجونك، فقام عبد الله بن حذافة بعدما وافق قيصر فقبل رأسه فأطلق سراحه وسراح المسلمين!
ويصل الخبر إلى أمير المؤمنين في المدينة عمر في ذلك الوقت رضي الله عنه وأرضاه، فيأتي عبد الله بن حذافة فيلتقي به أمير المؤمنين فقام أمير المؤمنين عمر وقبّل رأس عبد الله بن حذافة، وقال: حق على كل مسلم أن يُقبّل رأس عبدالله بن حذافة، حق على كل مسلم أن يُقبّل رأس عبدالله بن حذافة.
إنها صورة مشرقة أيها الأحبة من صور الثبات، صورة مشرقة من صور الاعتزاز بالدين، صورة مشرقة، لا تنازل، لا تفاوض في سبيل أن أترك شيء من ديني، ومن ثوابت ثوابت ربي، رأوا ذلك في واقع النبي عليه الصلاة والسلام، في عددٍ كبيرٍ من المفاوضات والحوارات، فثبت نبينا عليه الصلاة والسلام وثبتت الأمة من بعده، وقدم درساً رائعاً لهذا الثبات.
ثم رأينا أن الإسلام قد وصل بعد ذلك إلى فِجاج الأرض وبقاعها.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فيا عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن الله جل وعز أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" سورة الأحزاب الآية 56، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمدٍ النبي الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وخلفائه الراشدين، وسائر الصحابة أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وأهدهم سبل السلام.
"رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" سورة الحشر الآية 10.
اللهم يا من لا يرد أمره ولا يهزم جنده يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلم ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا استنصرت به نصرت، أن تنصر إخوانا المجاهدين والمستضعفين في كل مكان.
اللهم انصر إخواننا في سوريا، اللهم انصر إخواننا في سوريا، اللهم انصر إخواننا في سوريا، اللهم سدد رميهم، اللهم ثبت قلوبهم وأقدامهم، اللهم نصراً عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم وفق أولياء أمور المسلمين لما تحبه وترضاه وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير.