|
13-09-2017 |
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ربنا وخالقنا ورازقنا، وهادينا ومعلمنا ومنقذنا والمفرج عنا، له الحمد بالإسلام وله الحمد بالقرآن وله الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبت عدونا وبسط رزقنا وأظهر أمننا وأماننا، جمع فرقتنا وأحسن معافاتنا ومن كل ما سألناه ربنا أعطانا، فله الحمد كله وله الشكر كله علانيته وسره، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وشريعته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فيا أيها المسلمون .. اتقوا لله تعالى واعبدوه واشكروا له على النعم والآلاء والمنن وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة.
عباد الله .. تشرفنا في بلادنا المباركة بشهود الأيام العشر من ذي الحجة، تشرفنا بذكر الله فيها بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير كما تشرفنا وشهدنا الوقوف مع الحجاج في عرفات، وتفضل الله علينا بشهود وبلوغ هذا اليوم الأغر عيد الأضحى عيد الحج بأداء صلاة العيد ونحر النسك الأضاحي اقتداءً بأبينا ابراهيم عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي نحر بيده الشريفة كبشين أملحين أقرنين نحرهما بيده وسمى وكبر.
ونواصل ذكرنا لربنا وتكبيره إلى آخر أيام التشريق وما بعدها إلى بلوغ الأجل "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين".
نعم جليلة وكرم كبير من ربنا "بلدة طيبة ورب غفور"، أمن وأمان واستقرار وشبع وسد حاجات وتوفير مستلزمات، ورد حاقد وحاسد وكبت مبغض، وتهيئة من الله في كل مجال "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".
أيها المسلمون .. إنه وعد الله تعالى الذي لا يتخلف لمن وحّده وأخلص له، وعد كريم بملك الأرض والتمكين فيها وإعلاء رايات الدين الحق وإظهار شعائره وإنزال الأمن والطمأنينة في البلاد ونفوس العباد "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً".
أيها المسلمون .. عبادة الله وتوحيده وإظهار شعائر دينه، من صلاة وآذان وذكر وتسبيح وتكبير وتعظيم لأوامره ونواهيه وطرد الشركيات والبدع والخرافة كل هذا يعود على البلاد والعباد بالخير الوفير والرزق العميم والفضل الكبير حسياً ومعنوياً، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وتوفيقاً وتيسيراً وتسديداً.. "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"، أهل الدين لهم الخيرات والبركات "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".
إن القيام بدين الله وتحقيق توحيده وحراسة العقيدة الإسلامية نقية صافية يجلب الحياة السعيدة الطيبة للبلاد والمجتمع والأسرة والفرد، "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"، ويرد الله تعالى عن عباده وبلدانهم بتوحيدهم له وتمسكهم بالدين الحق، يرد الله عنهم الأعداء والحاسدين من الحاقدين الأشرار المبغضين للدين يردهم ويفشل مخططاتهم ويجعل العثرة لهم في كل مساعيهم، "إن الله يدافع عن الذين آمنوا"، "يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم".
أيها المسلمون .. وعد الله أهل دينه باستخلاف الأرض، يعني يجعلهم خلفاء في الأرض، أئمة للناس وولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد، كرامة لهم من الله تعالى، ويمكّن الدين الذي ارتضاه، لا دين البدعة والخرافة والإلحاد والزندقة، ولكن دينه الإسلام يجعل له سلطاناً يوجه الناس ويرشدهم ويوجههم، ويحكم بينهم ويدلهم على الصراط المستقيم وينهاهم عن الصراط المغضوب عليهم والضالين، وليبدلن خوفهم أمناً وأماناً وسلاماً وعافية.
الخوف الذي كانوا يجدونه في نفوسهم من عدوهم وحاقدهم ومبغضهم، يذهبه الله كرامة لأهل التوحيد والعقيدة الصحيحة المستقيمة.
أيها المسلمون .. التمكين هو أن يجعل الله تعالى للعبد سلطاناً على ما شاء الله من شؤون دنياه، كما قال تعالى عن ذي القرنين "إنّا مكنّا له في الأرض"، وقوله عن يوسف عليه السلام "وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين"، قال: جعل الله له ملكاً في مصر يتصرف فيها كيف يشاء. وقال تعالى "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم".
أيها المسلمون .. التمكين في هذه الدنيا بإذن الله لا بإذن أحد، يعطيه الله من يشاء من عباده، كل على قدر حاله ومكانه، والعباد في التمكين بين الشاكر والجاحد الغافل، وهناك الطاغي المتعدي للحدود، والمجاهر المعاند لله تعالى، فيوسف عليه السلام كان من عباد الله الصالحين المقدرين لفضله وعطائه "وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء"، وجعله الله على خزائن الأرض، "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" يعني: حافظ لما استودعتني عليه، عالم بالمسؤولية الملقاة عليّ، مدرك ما يترتب عليها من ثواب وجزاء ومؤاخذة، ولذلك لما دعي إلى الحرام كان حازماً في رفضه لإيمانه وأمانته "قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم".
فكل من عصى الله فهو من الجاهلين لأنه يجهل مقام الله تعالى وقوته وقدرته وقهره وبطشه ولأنه سبحانه قادر على أخذ عبده أخذ عزيز مقتدر، والقرى والأمم إذا اعترضت عنه سبحانه، فهذا يوسف عليه السلام خير من ثمّن نعمة الله تعالى الذي مكّن له في الأرض وأعطاه فقدّر عطية الله، واتقاه فأبقاه الله هو وغيره من العباد الصالحين، أبقاه مثلاً لمن قدّر وثمّن النعمة، وأما من مكنّه وجعل له سلطاناً فجحده فمثله قارون الذي أعطاه الله الكنوز التي تعجز العصابة من الناس حمل مفاتيحها لكنه لم يقدر ولم يثمن هذا التمكين واستكبر وجحد ورفض نصيحة قومه "قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك". فرد النصيحة وقابل الناصحين باستعلاء وتجبر على الله تعالى فنسب الفضل لنفسه والسلطان من جهده وقوته وليس من أحد غيره "قال إنما أوتيته على علم عندي" فأخذه الله تعالى بأن خسف به الأرض "فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين".
ومثله فرعون وهامان ومن تبعهم ومشى طريقهم بالأمس واليوم، فمن ثمّن وقدّر وشكر فله العافية ومن استكبر واستعلى فإن الله له بالمرصاد ولن يفلح إذاً، وأخذة الله شديدة أليمة نعوذ بالله من غضبه وسخطه وأليم عقابه.
أيها المسلمون .. التمكين نعمة جليلة وجّه الله تعالى إلى شكرها وحمده عليها بالقول والعمل وبيان كيفية شكر هذه النعمة.
فقال: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور".
فهي نعمة يشكر الله عليها بإقامة الصلاة لذكره وفتح المساجد لها وعمارتها وتهيئتها للمصلين بتأمينهم وإيجاد الأمان لهم، لا بترويعهم وملاحقتهم، وتكدير صفوهم واتهامهم كما يفعل المعتدون الظالمون.
يقول الله تعالى "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، فإنه لا يوجد أشد تعدياً وجرأة على الله من هذا الظالم الذي كدر صفو بيوت الله ومنع الصلاة فيها بملاحقة المصلين "لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
ويكون الشكر لله بإخراج الزكاة وإيصالها لمستحقيها، الذين قال رسول الله عنهم "إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم".
وتشكر النعمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يقطع الله به دابر المنكرات والفواحش ويؤمن الله به المجتمع، يقول رسول الله "تبسمك في وجه أخيك وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة" صححه الألباني.
فهذا شأن عباد الله الصالحين الذين إن جعل الله لهم ملكاً أو سلطاناً أو أي نعمة قابلوها بشكره بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهم العاقبة الحميدة، باستمرار ملكهم وسلطانهم والنعم عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة الأجر الوفير والمنزل الكريم.
ويمكن القول بأن الله يثني على عبيده الذين إذا مكّن لهم في بقعة من الأرض فجعلهم مالكيها قائمين فيها، لا ينازعهم أحد فيها، ولا يعارضهم، وأخضع لهم أهلها ووفر لهم أرزاقها وأظهر لهم من كنوزها وما تكنه بطونها من الخيرات والبركات فأغناهم بها عن الناس وسدّ حوائجهم ورد أعداءهم وكبت معاديهم ومبغضيهم، إذا رأوا هذه النعم قابلوها بإقامة دينه وصلاته وزكاته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبشرهم ربهم بالعواقب الحميدة في الدنيا والآخرة باستتباب الأمن واستقرار الخيرات وهلاك الأعداء، وأما الجحود فإنه بلية على المرء أيّاً كانت منزلته يقول الله تعالى "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين" وقال: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم".
فاشكروا الله أيها المسلمون على نعمة التمكين في الأرض وتوفير الأرزاق، فقد عافاكم وسلمكم وبين لكم السبيل وكشف لكم ما غُطي عنكم وخفي عليكم، فعرفتم ما لم تكونوا تعرفوه، من عدو وصديق ومحب ومبغض وطيب وخبيث، وأظهر لكم دينكم وعيدكم تؤدون شعائر دينكم في أمن وأمان تدخلون بيوت الله وتخرجون منها آمنين مطمئنين غير خائفين ولا وجلين.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاد علينا وعليكم الأعياد ومواسم الطاعات إنه سميع قريب.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على دربه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أمة الإسلام .. اشكروا الله تعالى واتقوا ربكم على ما أعطاكم من النعم والآلاء والمنن، فقد يسر الله لكم كل شيء في هذه البلاد وفي هذه الأرض المباركة، يسر لكم بإذنه سبحانه من كل ما ترجونه، وأعطاكم من كل ما سألتموه، فهي نعمة عظيمة تحتاج إلى شكر بالقول والعمل "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور".
التمكين في الأرض يا عباد الله نعمة جليلة أن يمكنك الله تعالى في مكان ما أو في بقعة ما ويغدق الله تعالى عليك النعم، ويحفظك الله ويرد عنك الحساد والمنافقين والمبغضين، نعمة جليلة تحتاج إلى شكر، وإذا أردت أن تعرف نعمة التمكين في الأرض فانظر إلى من مكّن الله تعالى لهم ثم تنكروا لنعم الله تعالى كيف آل حالهم؟ وكيف عادت عليهم الأيام؟ والعياذ بالله.
"فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا"، "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا".