جامع الامام محمد بن عبدالوهاب
خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب الشيخ عبدالله بن محمد النعمة 16 شعبان 1438هـ الموافق 12 مايو 2017م بعنوان " ذكر الله فضله وأثره "

  15-05-2017
اضغط على الصورة لعرضها بالحجم الطبيعي

 الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا".

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما". 

أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

عباد الله 

العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدنيا فهو مسافر فيها إلى ربه، و مدة سفره هي عمره الذي كتب له إلى أجله، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل ‏سفره، فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر، "يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك".

‏إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا 

وفي كل يومٍ واعظُ الموت يندُبُ 

إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي 

عمِلتم وكلٌ في الكتاب مُرتبُ

‏فيا ليت شِعري ما نقولُ وما الذي 

نُجيبُ به إذ ذاك والامرُ أصعبُ

‏أيها المؤمنون .. كم مضى من عمر الحياة ؟ وكم سلف من العصور؟  وكم تقلب من الدهور؟  أمم على إثرها أمم،  وأجيال تعقب أجيال، ورجال على إثر رجال، أحوال متباينة، وصور متغايرة، وأمور تدار، والله يخلق ما يشاء ويختار، ‏ولكن الكيس الفطن من عمل لآخرته، وادخر عظيم الأجر والثواب ليوم الميعاد، فعمر واشتغل قبل أن يأتيه الأجل.

أيها المسلمون .. ‏وقد لا يخفى على الكثير أن من أعظم ميادين العمل والاجتهاد هو ذكر رب الأرباب، فإن الله تعالى آمرا عباده المؤمنين بذكره فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا".

‏وعلق الله الفلاح باستدامته وكثرته فقال: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، ‏وأخبار عن خسران من لها عنه بغيره فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"، ‏بل وأخبر أنه أكبر من كل شيء فقال:  "ولذكرُ الله أكبر".

‏عباد الله..‏ ذكر الله على سهولته ويسره،  وعظيم ثوابه وأجره، و امتداد زمانه ووقته، وانتشار مكانة ومحله، إلا أن الكثير والكثير من الناس عنه غافلون وبغيره هم لاهون منشغلون، ‏ويخشى أنهم قد دخلوا ضمنا في قوله تعالى: "ولا يذكرون الله إلا قليلا".

عباد الله ... فكم للذكر من فضل وعظيم الأثر في الدنيا قبل الآخرة

‏عباد الله.. ‏فهذا يونس بن متى نبي الله يسقط في لجج البحار، فيبتلعه الحوت فهو في ظلمة جوف الحوت، في ظلمة جوف البحر في ظلمة الليل، في ظلمات ثلاث، فلا أحد يعلم مكانه، ولا أحد يفهم كلامه، ولا أحد يسمع نداءه فدعا وقال وهو على هذه الحال: "لا اله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين" وعلى الفور يجيء الجواب الإلهي له : "فلولا ‏أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون"، فلا إله إلا الله، كم لهذه الكلمة من أثر عظيم، روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم يقول: "أفضل الذكر لا إله إلا الله"، ‏وكيف يضيع العاقل لحظات عمره لهفا ولهثا وراء حطام الدنيا وما فيها، وهي لا تساوي بضع كلمات من ذكر الله، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنْ أَقُولَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، ‏كم نحن عاجزون عن كسب الحسنات في دقائق ولحظات، روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ‏كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة، فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: "‏يسبح مئة تسبيحه فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة".

عباد الله .. كم نحن غافلون عن غرس الجنة وزرعها، روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة". ‏سبحان الله فكيف بمن قالها عشرا أو مئة، فقد ورد في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"، ‏فهل من مشمر لهذه الأجور ؟ وهل من مستثمر لهذه الحسنات؟ بل هل من طامع في الكنوز، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

‏عباد الله .. والذكر حرز وحصانة من وسوسة الشيطان وأتباعه، وهو مكفر للذنوب وجالب للحسنات، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ"، ولا يفوتنا أن نذكر ما للاستغفار من ثواب جزيل، بل إن الله أمرنا بالتوبة والاستغفار وجعله مما تدفع به العقوبة ويرفع به العذاب، وهو سبب لتفريج الهم، وجلب الرزق، ونزول الغيث، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر منه، و اعلموا أن سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَه إِلاَّ أنت خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ،  وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـات مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ.

عباد الله، فهل عجز الناس عن قول بعض هذه الأذكار خلال دقائق معدودة في الصباح أو المساء، لينالوا هذا الخير العظيم والثواب الجزيل.. 

أسأله سبحانه أن يجعل لنا لسانا ذاكرا، وقلبا خاشعا، اللهم أجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك عابدين، يا رب العالمين. أقول ما تستمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد،،

عباد الله.. استمعوا رعاكم الله إلى كلام من بارك الله في أعمالهم، إلى من ذاقوا طعم المحبة، ولذة العبودية، تأمل أخي الحبيب كلام من كانت ألسنتهم رطبة بذكر الله، ولسان حال أحدهم يقول:

والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت 

إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسـي

ولا جلست إلى قوم أحدّثهــم  

إلا و أنت حديثي بين جلاســي

قال أبو بكر رضي الله عنه: "ذهب الذاكرون الله، بالخير كله"، وقال ابن القيم: "وأفضل الذكر وأنفعه ما وطأ فيه القلب اللسان وكان من الاذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده"، واعلموا عباد الله، أن من أذكار المناسبات ذكر الله تعالى عند الخروج من البيت ففيه حصانة من الشيطان، ووقاية من شر الأشرار، وهداية وكفاية من رب الأنس والجان.

روى ابو داوود وغيره عن انس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال -يعني اذا خرج من بيته- بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة الا بالله يقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان، فيقول -يعني الشيطان- لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي"، ومن أذكار المناسبات، أذكار الصباح والمساء، واذكار النوم، فهي حصن حصين يطرد الشياطين ويرضي رب العالمين، ومنها الأذكار الواردة عقب الصلوات المفروضة، ومنها ما لا يتسع المقام لبسطها وذكرها.

عباد الله، اعلموا أن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا فيه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشراً". 

عباد الله .. هذه بعض فضائل الذكر والتوفيق بيد الله وحده

ألا واسألوا الله سبحانه أن يعينكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

http://www.jameaalemam.com