جامع الامام محمد بن عبدالوهاب
خطبة جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب الشيخ د. محمد بن حسن المريخي 7 رمضان 1438هـ الموافق 2 يونيو 2017م بعنوان "القرآن الكريم في شهر الصيام"

  11-06-2017

 الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، أهل التقوى وأهل المغفرة صاحب المنّ والعطاء، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد،،

 

فيا أيها المسلمون .. اتقوا الله تعالى واشكروه على فضله العظيم ومنّه الجزيل، تفضل عليكم بهذه الأيام المباركة وهذه الليالي العظام في هذا الشهر الفضيل الذي ترفع فيه الدرجات وتقال العثرات وتكفر السيئات.

 

عباد الله .. إن شهر رمضان شهر القرآن وما أدراكم ما القرآن، كتاب الله الخالد وكلامه الذي تكلم به مبشراً عباده الصالحين ومحذراً العصاة والمجرمين ، فيه الوعد الكريم لمن آمن وعمل صالحاً وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى وفيه الوعيد والتهديد بالعذاب والتحريق لمن أهمل واغتر من العبيد.

 

في القرآن خبر الدنيا والآخرة والأمم والأقوام والقرون الغابرة، يعظ الله تعالى به عباده فيبشر المؤمنين بأن لهم أجراً حسناً وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم"، فيه الرفعة والسمو لمن خاف الله وراقبه وتاب إليه واتقاه "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون"، قال ابن عباس: فيه شرفكم، وقال تعالى: "وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون"، فهو الشرف لكم، أنتم به في ذرى العلياء بين الأمم وفي أعلى المقامات عند الله تعالى به العز والتمكين، به يعلو العبد ويسمو ويعز ويجل ويكرم، وبدونه لن تنالوا شرفاً، أنتم به غالبون منتصرون تهابكم الأمم وتحسب لكم حسابكم وتخضع رقابها لكم مهابة واحتراماً واستسلاماً ، وقد كان هذا لرسول الله وصحبه ومن تبعهم ممن كان متمسكاً بالإسلام، فكان العدو يخاف من رسول الله والمؤمنين إذا سمع عن نيته التوجه إليه قبل شهر واحد من التوجه إليه، يقول تعالى لموسى وهارون عليهما السلام "بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون"، إن القرآن الكريم يقرأ في شهر رمضان أكثر من غيره بعشرات المرات ويقف المسلم على كتاب ربه في شهر الصيام وقفات متعددة يتلوه كثيراً فيتدبره ويتعظ بآياته.

 

إن شهر رمضان هو شهر القرآن فالفرصة كبيرة وسانحة لأن يستفيد المؤمن ويكسب الحسنات بقراءة القرآن "إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور".

 

إن قراءة القرآن تجلو عن القلب ما علق به من مسببات العمى أو الطبع بسبب الذنوب والمعاصي، فيشرق القلب بنور القرآن وتشرق البصيرة فيرى العبد الحق حقاً والباطل باطلاً ويرى الخسارة قبل وقوعها فيحذرها "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"، يعني أحسن، فما من حسن ومستقيم ومعتدل إلا والقرآن يدل عليه ويدعو إليه.

 

قراءة القرآن عمل صالح كبير ، يقول تعالى عن هذا القرآن "ويبشر الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً"، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها" رواه الترمذي.

 

بالقرآن يا عباد الله تطمئن القلوب وترتاح النفوس وتنشرح الصدور وتستقيم الأمور وتستنير البصائر وتبصر القلوب "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، فكم في النفوس من الحيرة والقلق وفي الصدور من الضيق والحرج بسبب الغفلة وقلة ذكر الله تعالى.

 

في رمضان وبقراءة القرآن يراجع المرء نفسه ويقلب صفحاته وينظر في إسرافه وما يقضي فيه عمره من البعد عن الطاعة والاستقامة والالتفات إلى الآخرة والتزود لها وترك ما هو عليه من اللهو والضياع مما كثر في هذه الأزمان من ملاحقة الشيطان واتباع الأهواء.

 

إن الإنسان في أمس الحاجة إلى ما يبصره ويفتح بصيرته ويرشده ويفتيه في هذه الدنيا، وما كثر فيها من المنكرات والخبائث والمحن التي أخبثت النفوس وحطمت القلوب فلم تعد ترى شيئاً على هيئته الطبيعية من كثرة المغشوشات وظلام القلوب، ولن يجد المرء أحسن من قراءة القرآن لتجلو عن القلوب هذا البلاء وعن النفوس هذا الغبش "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".

 

فيا عباد الله ..هذه فرصة منحكم إياها ربكم عز وجل في شهر رمضان القرآن يتلى في كل وقت وحين فانتهزوا هذه الفرصة لإعمار القلوب وبناء الأنفس، اقرأوه طاعة لله وتعظيماً لخالقكم ليأتي شافعاً لكم ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم.

اقرأوا القرآن وحركوا به القلوب بالوقوف على وعد الله ووعيده وما نزل بالأمم وقدرة الله تعالى على أخذ القرى وما أخبر الله تعالى عن جبروته وقهره، فإن في الدنيا مجاهيل يجهلون القرآن وما جاء فيه يحسبون القرآن كتاباً يتلى فقط للعبادة وأهملوا أنه يخبر عن كل شيء وقع وما لم يقع بعد وما جرى في هذه الدنيا وما سيجري ويكون، يقول رسولنا الكريم: "والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" رواه مسلم.

 

اقرأوا القرآن وابكوا أو تباكوا إذا مررتم بوعيد أو تهديد أو أخذة للعبيد في هذه الدنيا أو يوم الوعيد، يقول عليه الصلاة والسلام: "شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت"، رواه الترمذي وقال حديث حسن.

 

وذلك لما في هذه السور من أهوال القيامة وما ينتظر الناس من النوازل والأهوال وما جرى على الأمم التي عصت فمن رهبته وخشيته لربه عز وجل جاءه الشيب قبل أوانه والرسل أعلم الخلق بالله عز وجل.

 

وبشر رسول الله من بكى من خشية ربه فقال: "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي وقال حديث حسن.

 

أيها المسلمون .. لقد كان للقرآن الكريم تأثير على كل شيء على النفوس الكافرة قبل المؤمنة . جاء أبو الوليد عتبة بن ربيعة يكلم رسول الله ليكف عن دعوته لدينه الذي جاء به ، فأنصت له رسول الله حتى انتهى .ثم تلا عليه أولَ سورة فصلت: بسم الله الرحمن الرحيم "حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ......، فمضَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤُها عليه، فلما سمِعَها عُتبةُ ألقَى بيدِه خلفَ ظهره يستمِع، حتى بلغَ قولَه تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ .... فأمسكَ عُتبةُ على فمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وناشدَه اللهَ والرَّحِم . ليتوقف . فأسرع عائدا إلى قريش يقول لهم : سمعتُ قولاً والله ما سمعتُ مثلَه قطُّ،

والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكِهانة. يا معشر قُريش! أطيعُوني واجعَلوها لي، خلُّوا بين الرجلِ وبين ما هو فيه، فواللهِ ليكونَنَّ لقولِه الذي سمعتُ نبأً، فإن تُصِبه العربُ فقد كُفيتُموه بغيرِكم، وإن يظهَر عليهم فمُلكُه مُلكُكم، وعزُّه عزُّكم، وكنتم أسعدَ الناس به. قالوا: سحركَ يا أبا الوليد بلسانِه. قال: هذا رأيي فيه، فاصنَعوا ما بدَا لكم.

 

وعن جُبير بن مُطعِم بن عديٍّ - رضي الله عنه - قال: قدِمتُ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك في وفد أُسارَى بدرٍ، وسمعتُه يقرأُ في المغرب بالطور، فلما بلغَ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ"، قال: كاد قلبي أن يطير. وفي رواية: فأخذَني من قراءَته الكربُ. وفي بعضِها: فكأنما صدعَ قلبي. - وتأثَّر بالقرآن رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي نزلَ عليه القرآنُ فكان يُحبُّ أن يسمعَه من غيرِه؛ يقولُ لابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: "اقرَأ عليَّ القرآن"، فيقرأُ عليه من أول سورة النساء، حتى إذا بلغ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا . قال: "حسبُك الآن"، فالتفَتَ ابنُ مسعودٍ، فإذا عيناه تذرِفان، وإذا عيونُه تسيل، وتلا قولَ الله - عزَّ وجلَّ - في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي. وقال عيسى - عليه السلام -: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . فرفعَ يدَيه وقال: "اللهم أُمَّتي أُمَّتي"، وبكَى. فقال الله - عزَّ وجل -: "يا جبريل! اذهَب إلى محمدٍ - وربُّك أعلمُ -، فسَلْه: ما يُبكِيك؟»، فأتاه جبريلُ  عليه السلام - فسألَه، فأخبرَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال الله - عزَّ وجل -: "يا جبريل! اذهَب إلى محمدٍ، فقُل: إنا سنُرضِيك في أمَّتك ولا نسوؤُك"؛ رواه مسلم.

 

وقد كان للقرآن تأثيرُه على أفئِدة قساوِسة النصارى: "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ"، - بل تأثَّر مرَدَةُ الجانِّ الذين كانوا قبل نزوله يسترِقون السمعَ: ق"ُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا"،  وقرأ أُسيد بن حُضيرٍ - رضي الله عنه - القرآن من الليل سورةَ البقرة، وفرسُه مربوطةٌ عنده؛ فجالت الفرسُ، فسكتَ فسكتَت، فقرأَ فجالَت الفرسُ، فسكَتَ فسكتَت الفرسُ، أو فسكَنَت، ثم قرأَ فجالَت الفرسُ. فانصرفَ وكان ابنُه يحيى قريبًا منها، فأشفقَ أن تُصيبَه فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: "اقرأ يا ابنَ حُضير"، قال: فأشفقتُ يا رسولَ الله أن تطأَ يحيى وكان منها قريبًا، فرفعتُ رأسي إلى السماء، فإذا مثلُ الظُّلَّة فيها أمثالُ المصابِيح، فخرجتُ حتى أراها. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وتدري ما ذاك؟" قال: لا، قال: "تلك الملائكةُ دنَت لصوتِك، ولو أنك قرأتَ لأصبحَت ينظرُ الناسُ إليها لا تتوارَى عنها".

 

أما الجبالُ فقد أخبرَ الله عنها فقال: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".

 

أيها المسلمون .. هذا القرآن الذي بين أيدِينا هو القرآن الذي قرأَه الأولون، لم يزَل غضًّا طريًّا، ولكن ليست القلوبُ هي القلوب، "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، وقد جعلَ الله لهذه الأقفال مفاتِح؛ فأولُ هذه المفاتِح: معرفةُ المُتكلِّم بهذا القرآن، وهو الله - جَّل جلاله -، ربُّكم وربُّ آبائِكم الأولين، وربُّ العالمين المُحيِي المُميت، الرزَّاقُ ذو القوَّة المتين، وشرفُ الكلام من شرفِ المُتكلِّم به. وكلُّ كلامٍ وإن عظُم وجلَّ فهو دون كلامِ الله تعالى، ناهِيكم عمَّن يشتغِلُ عن كلامِ الله بكلام الباطِل واللهو قال عُثمانُ - رضي الله عنه -: "لو طهُرَت قلوبُكم ما شبِعَت من كلامِ ربِّكم"؛ رواه أحمد.

 

وثاني مفاتِح الأقفال: معرفةُ بركاتِ القرآن العظيم، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ، بركاتُ القرآن على النفوسِ والأُسر والمُجتمعات، بركاتٌ عامَّةٌ في الدنيا والآخرة، "من قرأَ حرفًا من كتابِ الله فله حسنة، والحسنةُ بعشر أمثالِها»؛ رواه الترمذي"، "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامةِ شفيعًا لأصحابِه"، "اقرؤوا الزَّهراوَين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتِيان يوم القيامة كأنهما غمامَتان، أو كأنهما غيايَتان، أو كأنهما فِرقَان من طيرٍ صواف تُحاجَّان عن أصحابهما". "اقرؤوا سورةَ البقرة؛ فإن أخذَها بركة، وتركَها حسرة، ولا يستطيعُها البطَلة"؛ رواه مسلم. "سورةٌ في كتابِ الله ثلاثون آية شفعَت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، "يُقال لصاحبِ القرآن: اقرأ وارقَ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّلُ في الدنيا؛ فإن منزلتَك عند آخر آيةٍ تقرؤُها"؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي. "الماهِرُ بالقرآن مع السَّفَرة الكرامِ البرَرَة، والذي يقرأُ القرآن ويتتعتَعُ فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران"؛ رواه مسلم.

 

وثالثُ مفاتِح الأقفال: الدعاءُ؛ روى الإمام أحمد وغيرُه، عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أصابَ أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزَنَ فقال: اللهم إني عبدُك، ابنُعبدِك، ابنُ أمَتِك، ناصِيَتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أنتجعلَ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدرِي، وجلاءَ حُزني، وذَهابَ همِّي؛ إلا أذهبَ الله همَّه وحُزنَه، وأبدلَه مكانَه فرَحًا"، وفي بعضِ الروايات: فرَجًا.

 

أيها المسلمون .. هذه أيام الرحمة العشر الأول من شهركم قد ذهبت وسوف ينتصف شهركم بعد أيام وما تلبثوا إلا وأنتم في أيامه الأخيرة فتعرضوا لرحمات ربكم بالاجتهاد في تحقيق الصيام الصحيح الشرعي الذي ترجون ثوابه وجزاءه عند الله بحفظ أسماعكم وأبصاركم وجوارحكم عما حرم الله ونهى، ابذلوا أنفسكم لله فإن المرء لا ينفعه إلا عمله الصالح ولن يلتفت إليه إلا إذا عمل صالحاً فالعمل الصالح هو الرصيد الحقيقي الذي ينبغي أن يراقبه المرء ويحرص عليه، وإلا فالشهوات تذهب وتنقضي والشياطين يحبطون الأعمال ويفسدون النيات ويحبطون الجهد ثم يتبرؤون من ابن آدم ويتركونه يصارع ذنوبه وحرجه بين يدي الله تعالى.

 

فالحذر عباد الله من التراخي والفتور فإنها أيام معدودات مليئة بالخيرات ورفيع الدرجات فاغتنموها لترفعوا درجاتكم وتكفروا سيئاتكم وتصححوا من أوضاعكم الإيمانية فالدنيا زائلة والموت يطارد العبيد ولا يمكن الفرار منه يدخل بلا استئذان ويأخذ ما يشاء ويخرج من غير أن يشعر به إنسان ، يدخل على الملوك في القصور المشيدة وعلى الفقراء والضعفاء في أكواخهم المخربة، شدّ الله لنا ولكم العزيمة وأعاننا وإياكم على الفوز بالغنيمة.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على دربه وتمسك بهديه وسنته إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أمة الإسلام .. اشكروا الله تعالى على نعمة القرآن والإيمان والإسلام، اشكروا الله على ما هيأ لكم في هذا الشهر الفضيل من النعم والخيرات والحسنات والدرجات، فسابقوا رحمكم الله، فاستبقوا الخيرات تسابقوا مع هذه الخيرات لإدراكها وللفوز بها يا عباد الله، فهذا هو شهركم بدأت أيامه تدخل أو تقترب من نهاية العشر الأول منه، فسارعوا إلى مرضات ربكم، اعتنوا رحمكم الله بالصيام عناية فائقة.

هذا الصيام الذي يأتي شافعا لصاحبه يوم القيامة، الصيام الذي يأتي يسقي صاحبه يوم القيامة ويرويه، "ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام رمضان فأسقاه وأرواه"، احرصوا عباد الله أن تقدموا بين يدي الله تعالى عملا شرعيا صحيحا خالصا لله تعالى موافقا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون .. لا تغفلوا عن شهر رمضان، لا تتصرم عليكم الأوقات لا يفوتكم نهار رمضان وليله، احرصوا عباد الله على ما ينفعكم في هذه الدنيا وأعدوا للقاء ربكم جل وعلا مما أتاح الله لكم في هذا الشهر من العمل الصالح من القرآن والصيام والقيام والدعاء والصدقة.

سارعوا عباد الله إلى مرضات ربكم لا تنشغلوا عباد الله يشغلكم عن طاعة الله عز وجل، فإن المحروم من حرم ما في رمضان من الخير، المحروم من انشغل عن رمضان وعن خيرات رمضان بالدنيا وسفاسف الأمور وشرق وغرب.

أيها المسلمون .. "دعا جبريل عليه السلام على من فوّت رمضان وأمّن على دعائه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رغم أنف امرئ دخل عليه رمضان فلم يغفر له قل آمين فقلت آمين ، فالذي يدعو هو جبريل عليه السلام والمؤمّن على الدعاء سيد الخلق صلى الله عليه وسلم".

فيا أمة الإسلام .. ارحموا أنفسكم واتقوا الله تعالى وراقبوا ربكم في مثل هذا الشهر العظيم،  راقبوا ربكم سبحانه وتعالى، وكونوا عباد الله الصالحين، كونوا عباد الله المستيقظين الذين ينتبهون لما يتفضل الله به عليهم ولا ينشغلون بسفاسف الأمور وما يضيع أوقاتهم في سخط الله تعالى وفيما لا فائدة منه.

اتقوا الله تعالى واتعظوا وتسلحوا عباد الله بالإيمان والإسلام وكونوا عباد الله المسلمين الذين يستجيبوا لربهم عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح، هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه كما أمركم ربكم جل وعلا في محكم التنزيل بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".

 

http://www.jameaalemam.com