جامع الامام محمد بن عبدالوهاب
خطبة جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب الشيخ د. محمد بن حسن المريخي 6 شوال 1438هـ الموافق 30 يونيو2017م بعنوان " الاستقامة بعد رمضان"

  06-07-2017

 الخطبة الأولى:          

الحمد لله وفق من أطاعه واستقام وجزى من عبده وصام وقام، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صاحب المنَّ والعطاء الجزيل والأجر والثواب العظيم ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وشريعته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد

في أيها المسلمون .. اتقوا الله تعالى واشكروه وادعوه وارجوه أن يتقبل منكم ويتجاوز عنكم واسألوه من فضله فإنه ذو فضل عظيم.

عباد الله.. قضى الله وحكم أن يخلق الخلق ليعبدوه، وجعل لهم أجلاً مسمى ليلاقوه فيحاسبهم فيكافئهم أو يؤاخذهم بما اقترفوه "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى"، وعندما تحدث عن الآخرة أخبر عباده بأنه لن ينجو من عرصاتها إلا من جاءه بدين الإسلام القويم وعمل به مخلصاً صادقاً موقناً بيوم الدين ، "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم"، فلا حظ لأحد في النجاة والفوز في الآخرة إلا من اعتدل واستقام على ما أمر الله به والرسول صلى الله عليه وسلم، وإن أهل الجنة أدركوها بعد فضل الله باستقامتهم ، وأنهم في الدنيا باستقامتهم على أمر الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"، فكان على الفطن الحصيف من الناس أن يستقيم في دنياه في أموره كلها في دينه وشؤون حياته وتصرفاته وسلوكياته وأن يتحقق الأمور قبل اقتحامها ويوزن التصرفات قبل ممارستها والتحقق من الكلام قبل التلفظ به ، جاء رجل إلى رسول الله فقال "قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد غيرك ، قال: قل أمنت بالله ثم استقم" رواه مسلم.

أيها المسلمون .. الاستقامة هي لزوم طاعة الله ومتابعة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التزام الصراط المستقيم.

الاستقامة: القيام بتوحيد الله تعالى واستمساك بالهدى المستقيم وهي اعتدال في السلوك والأخلاق وإقامة للبناء على قاعدة صلبة حسياً كان أو معنوياً، فهي اعتدال واستواء وتنظيم ونزاهة وهي اعتدال يسر الناظرين وتنظيم يبهر المتابعين، ومواقف ورجولات تعجب الأعداء قبل الأصدقاء.

إنها نعمة ومنَّة ما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم ، هي مواقف يقفها الإنسان في حياته واختبارات يتعرض لها المرء في لحظاته وساعاته "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".

أيها المسلمون .. المستقيم في دينه وسائر أموره يرغم عدوه على احترامه وتقديره والتأدب معه، ويلفت الإعجاب والاقتداء به والدعاء له والثناء عليه، هي الثقة في الموثوق به ، المؤتمن المستأمن على الأمانة، هي محل ثناء الله ورسوله وبشارته "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

الاستقامة كبيرة ورفيعة لا يبلغها إلا الموفقون ولا يصعد درجات سُلمها إلا الفائزون، ولهذا يقصر عنها كثير من الناس، ولا يدركها أكثر الناس ولا يثبت عليها إلا الصادقون المخلصون ، ولا يستقيم إلا مؤمن مخلص.

أيها المسلمون .. الاستقامة مطلبٌ عظيم ومقصدٌ جليل أمر الله تعالى به أنبياءه ورسله كما قال الله تعالى لرسوله ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير"، وقال لموسى وهارون عليهما السلام "قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون"، وقال تعالى "فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم"، وذلك لأنها علامة القبول وبشارة التوفيق وأمارة المرور بإذن الله يوم البعث والنشور.

أيها المسلمون .. إن للاستقامة ثمرات يانعات وطيبات مطيبات وخيرات حسان، منها : الحياة الطيبة فإنه ما استقام أحد على دين الله وفي تصرفاته وتفكيره وثقافته إلا وجد الراحة النفسية والحياة الطيبة ، يقول تعالى "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".

ومن الثمرات: الأمن والأمان على مستوى الفرد والبلدان والأوطان ، يقول تعالى "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".

ومن الثمرات: الفوز برضوان الله تعالى "ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً".

ومنها: انشراح الصدور واطمئنان القلوب وسلامتها من العطب ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أمسى آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" رواه الترمذي وحسنه.

ومنها: السلامة من الطعون والأخطاء في حق الله والناس فإن من استقام دينه وخلقه أخذ بزمامه إلى كل خير ومعروف وعقيدة صحيحة صافية في ربه ورسوله ودينه، وعامل الناس بأخلاقه وأدبه المستقيم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".

ومنها: القناعة والاكتفاء والرضى بما قسم الله تعالى ولو لم يكن في الاستقامة إلا سلامة الدين لكفى فكيف إذا كان الاستقامة تشمل خيري الدنيا والأخرة.

أيها المسلمون .. يقابل الاستقامة ويضادها الاعوجاج وهو الانحراف والالتواء والسير في الدروب المنحرفة حسياً ومعنوياً ، وأكبر البلوى عندما يعوج المرء وينحرف عن دين الله القويم في معتقده وفكره وثقافته، ثم الاعوجاج في خلقه يتبعه اعوجاج في تصرفه وسلوكه.

والاعوجاج رغبة نفسية وشهوة قلبية وتصرف وسلوك خُلقي، وأهل الاعوجاج مذكورون في القرآن في خمس آيات بأوصاف قبيحة ومتوعدون بالمؤاخذة، يقول تعالى في آية "الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً أولئك في ضلال بعيد" فهم مهددون بأن الله يراقبهم وليس غافلاً عنهم، وهم فاسقون وضالون ويكفي اتصاف الكفار بهذا البلاء وهو الاعوجاج.

لا يحبون دين الله المستقيم، ولا يحبون عباد الله الذين على دينه وصدقوه سبحانه ورسوله، من انطماس بصيرتهم وعمى قلوبهم يريدونها عوجاء عرجاء منحرفة ضالة زائغة عن الاستقامة والهدى، والبلية أنهم يشهدون بأم أعينهم باستقامة شرع الله وصلاحه للناس في كل زمان ومكان ، ولكنهم يعاندون ويتكبرون "لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون".

أيها المسلمون .. إن شر الناس عند الله وعند الذين آمنوا من سعى في الأرض يحارب الله ورسوله ويصد عن سبيل الله ويحارب المؤمنين ويقاوم انتشار الدين ويكيد للموحدين ، فبشره بعذاب أليم ، فهو أظلم العباد "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم". وسعى في خرابها بهدمها وتخريبها أو منع الصلاة فيها أو ملاحقة عباد الله وتهديدهم لمن صلى فيها له خزي في الدنيا: وهو كما يسمى خزياً فهو ينتظرهم وينتظرهم العذاب الأليم في الأخرة ، ولقد استعاذ رسول الله من خزي الدنيا والأخرة فقال "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الأخرة" حديث حسن.

أيها المسلمون .. إن حاجتنا للاستقامة على دين الله ثم على ما تفضل الله تعالى من الأخلاق الكريمة والأوامر بالتصرفات المستقيمة والسلوكيات السوية ، إن حاجتنا لها ماسة ضرورية وخاصة ونحن نعيش أزمنة الفتن والمحن وما ظهر به بعض الناس حال الفتن من وضع مزرٍ سيئ من التصرفات والسب والشتم والطعن وتعدى حدود الله، وضعف الديانة والبيع الرخيص للقيم والأخلاق والخوض في الأعراض والأنساب والأحساب، فكم تأذى الإنسان من ضعف استقامته وقلة حيلته، وكم جرّ على نفسه من المحن والبلايا والأوزار والآثام ، فأين الدين وأين الإسلام والقرآن والسنّة ، أين توجيه الإسلام وأين الأخلاق ، لقد أصبح البعض من الناس عرياناً قد تعرى من الأخلاق وبدى هزيلاً ضعيفاً من القيم.

أيها المسلمون .. إن المسلم بدينه وخلقه ، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.

لقد تفضل الله علينا ببلوغ الشهر ويسر لنا الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر، فكان رمضان مغتسلاً بارداً وشراباً لمن وفقه الله وثمّن الساعات والدقائق والليالي والأيام ، فقدروا نعمة الله وثمّنوا فضله ومنته واتخذوا من رمضان منطلقاً لحياة جديدة نقية وفتح صفحة نقية من صفحات العمر، وظنوا بأعمالكم الصالحة عن الهدم والتضييع فإن الله تعالى من فضله ورحمته نصحكم بذلك فقال "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم"، وقال "ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم" واستعاذ رسول الله من بلوى العودة إلى المعصية بعد الطاعة والاستقامة فقال "اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور"، يعني أعوذ بك من النقصان بعد الزيادة ومن الفساد بعد الصلاح ومن الكفر بعد الإيمان ومن المعصية بعد الطاعة.

ألا وإن العودة للمعصية بعد الطاعة علامة فشل وسوء وردٍ للعمل ، قالوا : العبد بعد فراق رمضان وقد كفرت عنه سيئاته، يجب عليه أن يحافظ على الصالحات ويحفظ نفسه عن المحرمات وتظهر عليه آثار هذه العبادات في بقية حياته ، قال الحسن البصري : إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة ويصرفه عن المعصية.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وفي هدي رسول الأمين، وتاب علي وعليكم وعلى المسلمين، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على دربه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون .. اتقوا الله تعالى واشكروه على النعم، اشكروه أن بلغكم رمضان وبلغكم العيد، وتقبل الله إن شاء الله منا ومنكم صالح الأعمال.

أعانكم على الصيام والقيام وقراءة القرآن، دعوتم ربكم جل وعلا ووقفتم بين يديه وعاهدتموه على الاستقامة على دينه وسنة نبيه، فاستقيموا رحمكم الله على دين الله وسنة نبيه، فإن من الناس من ظهر في الآونة الأخيرة في القضية الجارية بين أهل الخليج ظهر بمظهر سيء ظهر يكب النار عليها ليشعل النار أكثر وأكثر، تخلى عن أخلاقه وعن دينه وعن استقامته، فهو فاحش متفحش سبّاب شتّام لعّان، يبيت الليل إلى الصباح يشتم عباد الله المسلمين ويطعن في أعراض المسلمين، ويشرق ويغرب لإيقاد النار أكثر وأكثر، لاهٍ غافل، نسي وصية الله ووصية رسوله صلى الله  عليه وسلم، أين الإسلام؟ وأين الأخلاق؟

منطقة الخليج بفضل الله ومنته فيها دين الله وفيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من بقية المناطق والأماكن في العالم كله من فضل الله تعالى، ولكن للأسف أن مثل هذه القضية تحتاج إلى راشدين عقلاء، ولا أن ينزل كل واحد في الساحة ليطعن في أعراض المسلمين ويخوض في أنسابهم ويشتم ويلعن، لا تحل القضايا بهذا.

وشكر الله تعالى لبعض الناس الذين ظهروا بمظهر طيب جدا من أهل هذه البلاد، شرفوا دينهم شرفهم الله تعالى بالاستقامة على الدين فما شتموا ولا سبوا ولا طعنوا، ولكنهم يردون بالمعقول والبعض يرد بما قال الله ورسوله وهذا الذي ينبغي.

لا تحل القضايا بالشتم واللعن، كلهم إخوة "يا أيها الذين آمنوا إنما المؤمنون إخوة"،  يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" .

اذكروا الله تعالى، لا تنسوا أن عدوكم يتربص بكم في الشرق والغرب وفي كل مكان، فاتقوا الله تعالى واذكروا الله تعالى، اذكروا نعمة الله عليكم ارجعوا إلى الله تعالى واعتصموا بحبله، عودوا إلى الله تعالى لعل الله تعالى أن يصلح الأحوال، ادعوا الله تعالى، الجؤوا إلى الله سبحانه، خذوا بنصح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرفكم الله بالكتاب والسنة وفيهما الغُنية عن أن يلتفت الناس إلى الشرق أو الغرب، كيف عالج صلى الله عليه وسلم الخلاف، وكيف عالج صلى الله عليه وسلم النزاع.

كلهم إخوة يختلف الأخ مع أخيه، ولكن على هذا الجمهور في ساحات مواقع التواصل الاجتماعي أن يتقوا الله تعالى وألا يزيدوا النار اشتعالا، لا تكون الحلول بالطعن والسب والشتم واللعن والتحريض، هذا لا يكون بين المسلمين أبدا فلنتقي الله يا عباد الله على ولنستقم على دينه.

خرجنا من رمضان، أنعم الله علينا بالصلاة والصيام والقيام والدعاء، وخرج بعضنا يشتم ويلعن ولا كأنه صام بالأمس وقام.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يردنا وإخواننا إلى رحابه ردا جميلا.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه كما أمركم ربكم جل وعلا في محكم التنزيل بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".

 

http://www.jameaalemam.com