جامع الامام محمد بن عبدالوهاب
خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب الشيخ عبدالله بن محمد النعمة 17 ذو الحجة 1438هـ الموافق 8 سبتمبر 2017م بعنوان " فضل العلم"

  13-09-2017

 الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا".

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما". 

أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون .. للإنسان أعداء كثر يسعون للقضاء عليه وتهميش دوره في هذه الحياة، ويبرز من بين تلكم الأعداء عدو شرس فتك بالأمم وذهب بخيرات بلادها، وجعلها فريسة لأعدائها، ‏ ‏هذا العدو اللدود هو الذي جعل الإنسان ينسى خالقه، ويعبد شهوته، ويغرق في أوحال معصيته، هذا العدو اسمه الجهل.

عباد الله .. إن الجهل ما وصف به شيء إلا شانه، ولا أضيف إلى شيء إلا أساء إليه، وما غزيت العقول غزواً فكرياً، وفسدت القلوب عقديًا، ولا تحول العاقل الرشيد إلى بوق يصفق للعدو ويهتف بشعاراته إلا عبر قنوات الجهل والتخلف.

‏ومن أجل هذه المصائب وغيرها أمر الخالق سبحانه بالعلم، وحث على التعلم، وتوالت الرسالات السماوية تدعو إلى العلم وترفع من شأنه، فبه تبنى الحضارات ويحصل النماء والبناء، وإذا اقترن بالإيمان رفع الله صاحبه في الدنيا والآخرة، ‏قال سبحانه "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، ولقد كانت عناية الإسلام فائقة في هذا المضمار، جاء ديننا الإسلامي دين علم ومعرفة، دين حارب الجهل والأمية من أول يوم، وفي أول كلمة من الوحي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ". 

‏ولم يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، فقال سبحانه مخاطباً إياه، "وقل رب زدني علما" بل إنه سبحانه أقسم بالعلم والقلم لما له من عظيم الأثر في محو الأمية ورفع الجهالة ودفع مستوى الثقافة والمعرفة فقال سبحانه "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" فأي شأن أعظم وأي مرتبة أعلى من هذه المرتبة. 

جاء الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً لهذه الأمة "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آيٰته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة،  وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".

وكان عليه الصلاة والسلام، أول من سعى لمحو الأمية حين جعل فداء أسرى بدر أن يعلم كل منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.

واعلموا رحمكم الله، أنه لا رتبة فوق النبوة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة، فورثة الأنبياء هم العلماء، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابي الدرداء الذي يرويه أبو داود والترمذي "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر". 

والعلم عباد الله أفضل وأعلى وأجل من العبادة، روى الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد".

فلولا العلم ما سعدت نفوس 

ولا عرف الحلال من الحرام 

فبالعلم النجاة من المخازي

وبالجهل المذلة والرغام 

 

أيها المسلمون.. العلم في الإسلام لا حد له ولا نهاية، قال سبحانه: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، وقال سبحانه:" وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها"، فكل علم نافع  فهو مطلوب شرعا، بل إن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.

قال ابن الجوزي -رحمه الله- في بيان العلم المفروض قال: هو علم معاملة العبد لربه، وهو يدخل في باب الاعتقاد والأفعال، وينقسم إلى قسمين: فرض عين، وهو ما يتعين وجوبه على الشخص من توحيد الله ومعرفة أوامره وحدوده في العبادات والمعاملات .. وفرض كفاية، وهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام الدنيا، كالطب والحساب وأصول الصناعات إلى أن قال،... فلو خلا البلد عمّن يقوم بهذه العلوم والصناعات أثم أهل البلد جميعا، وإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين".

عباد الله .. نحن مطالبون بالاستفادة من كل العلوم العصرية النافعة، ولا يغيب عن الأذهان في خضم هذا التدفق الهائل تصفيتها من الشوائب وتنقيتها من لوثاتها، فقد صب بعضها في قوالب فكرية مادية معاصرة، صاغتها تصورات ثقافية منحرفة، أسست على فلسفات تناقض الدين، وتحارب رب العالمين، فلابد من أن تخضع لمصفاة لتنقيتها، وعقول مسلمة تعيد صياغتها على منهج إسلامي صحيح، لتحقق أهدافاً سلوكيةً بجانب الأهداف التعليمية حتى يحمل الطالب الأدب والفضيلة والعلم والإيمان.

أيها المسلمون .. إن التسابق اليوم بين قوى الأرض هو في مضمار العلم، والأمة الجاهلة المتخلفة لا مكان لها بين الأمم، بل إنها الأمة الضعيفة المنهزمة، ودول الغرب وغيرها ما وصلت إلى ما وصلت إليه من علو شأنها وقوة اقتصادها ونفاذ أمرها إلا بسلاح العلم، في الوقت ذاته نجد كثيراً من ديار الإسلام تعيش حالات من التخلف والمرض بسبب جهل أبنائها، فها هي قد تركت هذا التراث العظيم، وزهدت في العلم والمعرفة، ولو تساءلنا، ما السبب في تقدمهم؟ وما السبب في تخلفنا؟ هم تعلموا وجهلنا، وعملوا وكسلنا، فأين الشباب الحريص على طلب العلم والمعرفة؟ وأين الهمم العالية والتعب في طلب العلم وإخماد الجهالة؟ 

بقدر الكد تكتسب المعالي

ومن طلب العلا سهر الليالي

 

ومن رام العلا من غير كد

أضاع العمر في طلب المحال 

أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان حليماً غفوراً.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أما بعد، أيها المسلمون .. قد أظلنا عامٌ من التعليم جديد، متعدد العلوم، متنوع المعارف والفنون، والعلوم تختلف فضلاً وقدراً باختلاف المقاصد، وتتفاوت سمواً ورفعةً باختلاف الموارد، وأكبر العلوم وأنفعها للإنسان ما تحصل به سعادة قلبه وانشراح صدره، ولا يخفى عليكم أن الأمة مقبلةً على مستقبل مخيف، تتناوشه أطروحات غريبة، ومطالب عجيبة، أهل الشر فيه اجلبوا بخيلهم ورجلهم على إفساد شباب الأمة بما أوتوا من قوة، طالبوا بتغيير المناهج، وتجفيف المنابع، ومحاربة الإسلام، ولكن هيهات هيهات.

أيها المسلمون .. إن أبناءنا وبناتنا يواجهون غزواً فكرياً، يشكك في ثوابت الدين، ويطعن في الأخلاق والفضيلة، ويفتح لهم باب الشبهات والشهوات، وذلك من خلال وسائل كثيرة ومن أهمها التعليم، فلا نريد أن يتخرج أبناءنا بشهادة مادية علمية، وقد ضربوا بالأخلاق والدين عرض الحائط، يتحقق فيهم ما عاب الله به على قوم علمهم بالدنيا ونسيانهم الآخرة، فقال عنهم: "يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون".

عباد الله .. إن أعداء الأمة يخططون لخدمة مصالحهم والقضاء على الأمة المسلمة وتهديم أخلاق الناشئة، والتحلل من الضوابط الدينية، والاستهانة بالأخلاق الاجتماعية، وتغيير المناهج، فلابد من الوقوف في وجه هذه المخططات الساخرة، وصد هذه الهجمات المتتابعة، وتحذير النشء من الانجراف وراء هذه المخططات حتى يخرج لنا نشء تربى على الدين والأخلاق والعلم معاً.

أيها المسلمون .. تعلموا رحمكم الله العلم النافع وعلّموه، فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، واعلموا أن أشرف العلوم وأعظمها قدراً هي علوم الدين الواجبة على كل مسلم ومسلمة كأحكام العقيدة والطهارة والصلاة والصوم والحج وتعلم قراءة القرآن، فالواجب على المسلم أن يسأل عن ذلك ويتعلم أحكام دينه.

وكم هو شديد الوقع على النفوس أن يُرى في الناس من شاب رأسه، ورّق عظمه، وهو يتعبد الله على غير بصيرة، وقد يصلي عمره كله وهو يجهل الكثير من أركان الصلاة وواجباتها وقد تكون الصلاة ناقصة مختلة الشروط وهو لا يدري، وكم من قارئ ومتعلم لا يحسن قراءة كتاب الله ولا تجويده كما أنزل، واسمع رعاك الله إلى هذا الهدي النبوي، روى ابن ماجة عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر لأن تغدو فتعلّم آيةً من كتاب الله خيرٌ لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلّم باباً من العلم عُمل به أو لم يعمل، خيرٌ من أن تصلي ألف ركعة".

ألا واسألوا الله العلم النافع وتعوذوا بالله من علم لا ينفع فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام "اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، والحمد لله على كل حال".

اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

http://www.jameaalemam.com