جامع الامام محمد بن عبدالوهاب
خطبة جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب الشيخ د. محمد بن حسن المريخي 23 محرم 1439هـ الموافق 13 أكتوبر 2017م بعنوان " الحث على السنة "

  22-10-2017
اضغط على الصورة لعرضها بالحجم الطبيعي

 الخطبة الأولى:

الحمد لله العلي الكبير يغفر السيئات ويعفو عن كثير، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، فيا أيها المسلمون .. أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومراقبته والتمسك بدينه وشريعته والرضى بما حكم وقضى وقدر وتفضل، فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط.

عباد الله .. الرضى سرور القلب وانشراح الصدر بما قدر الله وقضى، وهو استقبال حكم الله تعالى بالفرح والقبول والاستسلام عن قناعة ويقين، وترك التسخط والغضب والجزع "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".

والرضى نوعان : الأول: الرضى بما شرع الله تعالى بما أمر ونهى، والعمل بذلك "وقالوا حسبنا الله سيئويتنا الله من فضله إنا إلى الله راغبون" . وهذا الرضى به واجب ولهذا ذم الله تعالى من تركه فقال: "ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون".

والثاني: الرضا بالمصائب وما يحلُّ بالإنسان والصبر على ما قدر الله تعالى، ففي الناس من يشكر الله تعالى في سرائه وضرائه وهذا الذي بشر رسول الله بقوله: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإنْ أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذاك إلا للمؤمن" رواه مسلم. وفي الناس من يتسخط على ما ينزل به ويغضب ويشرّق ويغرّب في التسخّط وعدم الرضى .

عباد الله .. الرضى بما قدر الله وانشراح الصدر بما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة رفيعة يتفضل بها الولى جل وعلا على من يشاء من عباده . يقول ابن القيم رحمه الله: وهي سهلة بالدعوى واللسان وهي من أصعب الأمور عند حقيقة الامتحان ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها من ذلك تبيَّن أن الرضا كان لسانه به ناطقاً فهو على لسانه لا على حاله، وهو كما قال رحمه الله: فإن القائلين بألسنتهم بالرضى بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله تمتلأ بهم الدنيا ولو فتشت عن الحقيقة واستقرار الرضى في قلوبهم لأذهلتك النتائج وصدق الله العظيم: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" ما أكثر الداعين إلى السنة وما أكثر المنادين بها ولكن دعواهم لا تتعدى ألسنتهم.

كم في دنيا المسلمين مَنْ يُقدم هواه ونفسه ومن قلّده وشيخه وطائفته ومذهبه على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهجه السويِّ، وخاصة عندما تتعارض ستةُ رسول الله مع رأي الشيخ والمعلم والطريقة أو مع مذهب الإمام ،فتجد الجرأة كلها في تقديم رأي الشيخ على سنة الهادي عليه الصلاة والسلام. يقول رسول الله: ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. رواه مسلم.

أهل الإيمان الذين رضوا بالله ربا واحداً وإلهاً واحداً لا شريك له يسألونه ويستعينون به ولا يلتفتون إلى أحد غيره. اعتنقوا دينه واعتقدوا ما جاء فيه من العقائد والحقائق واستسلموا للرسول، فالحكم حكمه بعد الله تعالى والقول قوله  والسنة سنته فمن خالفها فهو المبعد، ومن استسلم لها فهو المقرب من ربه عز وجل الفائز برفقة رسوله في الجنة.

أهل الإيمان الذين يعتقدون عقائد الإسلام كلها، ولا يتشككون فيها ولا يتغيرون ولا يبدلون، فالجنة للمتقين ولا تدخلها إلا نفس مؤمنة، والنار للكافرين وكل من كفر بدين الإسلام فهو كافر.

الجنة دار رضوان الله، والنار دار سخطه وعذابه والأديان والمذاهب والملل كلها باطلة مردودة مشطوبة ملغاة، بعد مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثته. يقول رسول الله: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت لا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار . رواه مسلم.

أهل الإيمان الذين انقادوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا له التسليم المطلق بحيث يكون النبي عليه الصلاة والسلام عندهم أولى من أنفسهم فلا يتلقون الهدى إلا منه ولا يتحاكمون إلا إليه ولا يُحَكِّمون الناسَ في رسول الله، ولا يرضون بحكم يخالف هدى رسول الله ولا يحتاجون إلى غيره البتة.

أهل الإيمان الذين اعتنقوا الإسلام ديناً يدينون لله به ويعتقدون النجاة فيه وحده والخسارة في غيره "إنَّ الدين عند الله الإسلامُ" عقائده المدونة في القرآن والسنة هي الحقيقة الناصعة التي تقبل التغيير ولا التبديل، ومرتكزاته الثابتة الباقية الصالحة لكل زمان ومكان وإنسان. والجنة مستقر أتباعه والنار مثوى أعدائه "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقيب منه وهو في الآخرة من الخاسرين".

أيها المسلمون .. سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي منهجه وطريقته وحيّ من الرحمن الرحيم، هي الطريق الآمن إلى جنات النعيم "يأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم".

أوصانا الله تعالى بمتابعته ولزوم سنته "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وحذرنا من مخالفته ومعارضته "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم".

ليس في الكون إلا القرآن والسنة، كل الطرق مظلمة وكل السبل متعرجه، وكل الحبال متقطعة إلا حبل الله المتين وسنة رسوله الأمين وصراط الله المستقيم.

طريق السنة هو المسفر الواضح الممهّد المعبّد الواصل بسالكه إلى مرضات رب البرية. لا يحتاج المؤمن الصادق إلى منهج بعد منهج النبوة ولا سراج بعد السراج المنير صلى الله عليه وسلم.

المؤمن الصادق استغنى بمنهج رسول الله عن كل المناهج والسبل، كيف يحتاج إلى غيره وقد أنار له الدنيا والآخرة، كيف يعمد صادق إلى شيخ أو طريقه وقد كفاه الله المؤونة برسوله ومنهجه النبوي اليقيني القطعي كيف يترك من كان في قلبه ذرة إيمان الوحي ويعمد إلى تمتمات وخرز وخيوط وربطات، يقول ابن القيم -رحمه الله- يجب الإيمان بعموم الشريعة لكل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم التي بها صلاحهم في معاشهم ومعادهم وأنه لا حاجة إلى أحد سواه عليه الصلاة والسلام البتة، وإنما حاجتنا إلى من يبلغنا عنه ما جاء به فمن لم يستقر هذا في قلبه لم يرسخ قدمه في الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام.

وقال فما جاء به رسول الله هو الكافي الذي لا حاجة بالأمة إلى سواه وإنما يحتاج إلى غيره من قلّ نصيبه من معرفته عليه الصلاة والسلام وفهمه فبحسب قلة نصيبه من ذلك تكون حاجته. وقال وبالجملة فقد جاءهم رسول الله بخير الدنيا والآخرة بحذافيره ولم يجعل الله بهم حاجة إلى أحد سواه صلى الله عليه وسلم.

ولهذا ختم به ديوان النبوة فلم يجعل بعده رسولاً لاستغناء الأمة به عمن سواه، فمن ظن أن شريعته الكاملة محتاجة إلى سياسة غيره أو حقيقة خارجة عنها أو إلى قياس خارج عنها أو إلى معقول خارج عنها فهو كمن ظن أن الناس بحاجة إلى رسول آخر غيره وسبب ذلك كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك إنه ما رضي بالسنة من تركها وهجرها وركض وراء الرأي والعقل أو من عالها برأي فلان أو عقل فلان ولا رضي بالسنة الذين بدلوا وغيروا يريدون عرض الحياة الدنيا.

يا ويلهم يعرضون عن سنته ويركضون وراء الاهواء والبدعة والخرافة ويرجون النجاة والسلامة، أهل البدعة والخرافة يهدمون السنة وهم يعلمون أو لا يعلمون، ويردون السنة وهم يشعرون أو لا يشعرون، ويبتعدون عن حبل النجاة والسلامة ويحسبون أنهم يقتربون.

وفي دنيا المسلمين من أهل الدنيا الماديين من المغرورين بالحياة الدنيا الذين يعملون ليل ونهار على محاربة السنة والدين الحق، ففي كل يوم عثرة ووقعة يستهزءون بالمسلمين ويسخرون منهم ويطعنون في السنن "سخر الله منهم" يخشون الناس ولا يراقبون الله تعالى همهم أن يترك الناس السنن ويهجر المسلمون منهج نبيهم وقائدهم صلى الله عليه وسلم.

اغتروا بكلمات يقولونها في الفضائيات والمحطات الاعلامية وظنوا أنهم رسل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" إن يقولون إلا زوراً وبهتاناً.

والله إنهم ليقولون بخلاف القرآن والسنة وخلاف عقيدة المسلمين ما أجرأهم على الله عز وجل، إذا ذكرت لهم سنة قالوا: هذه تحتاج إلى نظر، وإذا لطمتهم السنة على وجوههم وفضحتهم قالوا: هذه تخالف المعقول، أسنة رسول الله تحتاج إلى نظر؟ وتخالف المعقول؟ وهل السنة إلا وحي من الله تعالى، فهل الوحي يحتاج إلى نظر أو إعادة النظر فيه، وهل الوحي يخالف المعقول "سبحانك هذا بهتان عظيم".

إن الوحي جاء به رسول الله من عند الله عز وجل يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم.

إن الوحي لم يأت بما يوافق الشهوات والأنفس الأمارة بالسوء، ولكنه جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقود الأنفس إلى النجاة والسلامة ولو جاء بما تشتهيه الأنفس لفسدت الدنيا "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون".

فيا عباد الله انصروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشرها والعمل بها ورد معارضها وإبطال دعوى عدوها ، فمن أحب حبيبه اتبعه ومن زعم حب حبيبه وهو يعارضه ويقدم قول غيره عليه فهو الحب المزعوم.

تابعوا رسول الله وأعرضوا عمن خالفه وجاء بغير هديه وسنته.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على دربه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أمة الإسلام اتقوا الله تعالى واشكروه أن من الله عليكم بهذا الدين وهذه السنة المطهرة.

أيها المسلمون .. يأتي التذكير بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدينه القويم في الوقت الذي يظهر فيه مغترون ويسارع فيه معاندون وملحدون إلى اعتناق فلسفات الكفر والضلال من علمانية وليبرالية ويجاهرون بتحولهم إلى العلمانية الكفرية عياذا بالله وقد جاء رسول الله بالحق من ربهم وقد تعهد الله تعالى وقد تكفل الله تعالى بل هدد الله بأنه من اعتنق غير سنة رسول الله وغير هديه القويم أن يضله الله تعالى في هذه الدنيا أينما ولّى وجهه، فها هو الله ربكم سبحانه يأمركم باتباع رسولكم صلى الله عليه وسلم "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون"، "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم"، "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون"، فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى ما يحييهم.

هذا هو دين الله تعالى، هو الذي يحيي به الله الناس ويجعل الإنسان إنسانا سويا في هذه الحياة ثم يكون إنسانا سويا " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات"، "فليحذر الذين يخالفون عن أمره - يعني عن أمر سوله صلى - أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم". 

فالذين يهجرون سنة رسول الله أو يهجرون دين الله ويشردون إلى علمانية أو ليبرالية، إنما يبتعدون عن النجاة والسلامة أمنوا مكر الله سبحانه وتعالى "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الظالمين"، "كيف كان عاقبة المجرمين"، وكيف كان عاقبة من أعرض عن ذكر الله عز وجل.

ما أعرض أحد عن دين الله تعالى إلا كان له الضيق، الضيق بكل معانيه، الضيق الاجتماعي والضيق السياسي، "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"

فويل للذين أعرضوا عن دين الله وسنة نبيه، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بدل وغير، هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا دينه الحنيف الذي أخرج  الله به من الظلمات إلى النور، وأنقذ به من نار الجحيم، إنه لا يهجر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من سفه نفسه.

إن عقلا البشر وهم أنبياء الله ورسله كانوا أول من ينصحون أنفسهم وأهلهم، فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: "يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، ولقمان عليه السلام يقول "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم". وتتوالى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في دعوة أولادهم وأزواجهم وأقوامهم إلى دين الله عز وجل.

فيا أمة الإسلام .. عضوا على دين الله بالنواجذ وتمسكوا به وعضوا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تلتفتوا إلى شرقية ولا غربية فإنها الدمار والهلاك والخراب الحسي والمعنوي، فإنه لن تتحرك قضية ولا مسألة في هذا الكون إلا بإذن الله، ولن يكون التوفيق إلى بإذن الله ولن يوفق الله نفسا ولن يوفق الله أمة ولا بلدا هجر دينه أو هجر سنة رسوله.

فلا تغيروا ولا تبدلوا، وكونوا عباد الله المسلمين الذين تتمسكون بدينه وسنة نبيه حتى يلقوه "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". لأنه في الآخرة لا مقام لأحد إلا لمن أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من أسلم لله تعالى بدينهوتابع رسوله صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقا وإياكم لما يحبه ويرضاه.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه كما أمركم ربكم جل وعلا في محكم التنزيل بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".

 

http://www.jameaalemam.com